هل تقع الرؤيا وفق تفسيرها؟ وماذا لو فسرها الإنسان في نفسه دون أن يتحدث بها؟

هل تقع الرؤيا وفق تفسيرها؟ وماذا لو فسرها الإنسان في نفسه دون أن يتحدث بها؟
هل تقع الرؤيا وفق تفسيرها؟ وماذا لو فسرها الإنسان في نفسه

محتويات المقال (اختر للانتقال)
  1. مقدمة
  2. أصل الحديث في وقوع الرؤيا بالتعبير
  3. دلالة الحديث وشرط صدق التعبير
  4. هل تفسير الحلم في النفس يعد تعبيرًا؟
  5. هل الرؤيا تقع لأول عابر؟
  6. التوجيه النبوي في التعامل مع الرؤى
  7. نصيحة العلماء بشأن الانشغال الزائد بتفسير الأحلام
  8. ضوابط تعبير الرؤى في الإسلام
  9. خلاصة القول
  10. الخاتمة

الرؤى والأحلام من الأمور الغيبية التي شغلت بال الإنسان منذ القدم، فهي لغة باطنية تربط النفس بعالم الغيب، وقد أولى الإسلام شأنها عناية كبيرة، فميز بين الرؤيا الصالحة التي تكون من الله، والحلم المزعج الذي يكون من الشيطان.
وقد ورد في السنة النبوية أحاديث تبين أن الرؤيا قد تقع وفق تعبيرها، مما جعل كثيرين يتساءلون:
هل إذا فسر الإنسان رؤياه في نفسه، دون أن يتحدث بها، تقع كما فسرها؟ وهل يشترط أن يفسرها عالم بالتعبير حتى تقع؟

في هذا المقال، نعرض الرأي الفقهي والعلمي في المسألة مع بيان أقوال العلماء والدلائل الشرعية.

ورد الحديث النبوي الشريف:

"الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت"
رواه الترمذي (2278)، وصححه الألباني، وحسنه محققو المسند، إلا أن الشيخ ابن باز رحمه الله ضعفه.

ومعنى الحديث أن الرؤيا تبقى معلقة وغير متحققة حتى يتم تعبيرها، فإذا عبرها من يحسن التعبير ووافق تعبيره وجه الصواب، فإنها تقع على وفق ما عُبرت به.

لكن أهل العلم بيّنوا أن الحديث لا يعني أن كل من يفسر الرؤيا ستقع كما قال، بل يشترط أن يكون المعبر عالمًا بأصول التعبير ومستنيرًا بالعلم الشرعي والفراسة الصادقة.

قال ابن قتيبة رحمه الله في تأويل مختلف الحديث (ص 484):

"إن العرب تقول للشيء إذا لم يستقر: هو على رجل طائر، أي أنه لا يطمئن ولا يقف. فالرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، أي أنها تجول في الهواء حتى تفسر، فإذا فُسرت وقعت."

ثم أوضح أن المراد بالحديث ليس أن كل من يعبرها تصدق عبارته، بل إنما تصدق إذا عبرها العالم المصيب الموفق، أما الجاهل الذي لا يعرف قواعد التعبير فلا يُعتد بقوله، لأن تعبيره خطأ ولا يصيب موضع الرؤيا.

وفي "الفائق في غريب الحديث" (3/281):

"ليس المعنى أن كل من عبّرها وقعت على ما عبّر، ولكن إذا كان العابر الأول عالمًا بشروط العبارة، فاجتهد وأدّى شرائطها ووُفق للصواب، فهي واقعة على ما قال."

إذن، شرط وقوع الرؤيا بعد التعبير أن تكون العبارة صحيحة موافقة لمعناها الحقيقي، من معبر حكيم ذي علم وفطنة ودراية بأصول التأويل.

هذه النقطة هي جوهر السؤال.
يظن بعض الناس أن مجرد التفكير في تفسير الحلم داخل النفس أو تخيله لتأويل معين قد يجعله يقع، لكن العلماء نفوا ذلك.

قال أهل العلم: تفسير الرؤيا في النفس ليس تعبيرًا بالمعنى الشرعي، لأن التعبير لا يتحقق إلا بالنطق والإخبار.
فإذا لم يتحدث بها الإنسان، ولم يروها لأحد، فإنها تبقى "على رجل طائر" أي غير متحققة.

جاء في فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب (503970):

"تفسير الحلم في النفس بما ينقدح في نفس المعبر للرؤيا ليس تعبيرًا، فإذا أخبر عنه تكون الرؤيا قد عُبّرت، سواء صوابًا أو خطأ، فمجرد تفسير النفس، ليس عبارة عن الرؤيا، ولا تفسيرًا لها."

وهذا يعني أن مجرد الخاطر أو الظن في النفس لا يُعد تعبيرًا، ولا يُبنى عليه وقوع للرؤيا.

يستند بعض الناس إلى حديث "الرؤيا لأول عابر" ليقول إن الرؤيا تقع كما فسرها أول من يعبرها، لكن هذا الحديث ضعيف.

قال العلماء:

حديث (الرؤيا لأول عابر) رواه ابن ماجه (3915)، وضعفه الألباني، فلا يصح الاستدلال به.

وعليه، لا يصح القول إن أي شخص يفسر الرؤيا أولًا هو الذي يحدد مصيرها، بل لا تقع إلا إذا أصاب التعبير الصواب، كما جاء في حديث أبي بكر رضي الله عنه مع النبي ﷺ.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا قصّ رؤياه على النبي ﷺ، فعبرها أبو بكر، فقال له النبي ﷺ:

"أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا."
رواه البخاري (6639).

وبوّب عليه الإمام البخاري بقوله:

"باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب."

أي أن العبرة ليست بالأول، بل بالمصيب في تأويله.

أرشد النبي ﷺ المسلم إلى منهج واضح في التعامل مع الأحلام، قائم على التوازن النفسي والروحي.

1.    إذا رأى ما يسره:
فليحمد الله عليها، وليحدث بها من يحب فقط، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:

"إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها."
(رواه البخاري 6584).

2.    إذا رأى ما يكره:
فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وليتفل عن يساره ثلاثًا، ولا يخبر بها أحدًا، كما قال ﷺ:

"فإنها لا تضره."
(رواه البخاري 6637).

وهذا التوجيه النبوي يدل على أن إفشاء الرؤيا لمن لا يحسن التعبير قد يسبب ضررًا نفسيًا أو وسوسة، ولذلك أوصى العلماء بالاقتصار على ذكرها لمن يُحبّ الخير للإنسان ويُحسن التأويل.

نبّه كبار العلماء، ومنهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، إلى ضرورة الاعتدال في الاهتمام بالأحلام، فقال في لقاء الباب المفتوح (207/13):

"أنصح إخواني ألا يهتموا بهذا الأمر كثيرًا، لأنهم إذا اهتموا لعب بهم الشيطان في منامهم، فيريهم كل ليلة رؤيا تفزعهم، ثم يطلبون من يؤولها، والإعراض عن هذا أحسن بكثير."

وأضاف:

"إذا رأى ما يكره فلا يحاول أن تعبر له، بل يفعل كما أمر النبي ﷺ: يتفل عن يساره ثلاثًا، ويقول: أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت، ولا يخبر أحدًا بها، وحينئذ لا تضره."

إذن، الانشغال المفرط بتفسير الأحلام قد يفتح باب الوساوس والأوهام، والأولى هو الإعراض إلا عن الرؤى الصالحة التي تبعث على التفاؤل والطاعة.

لتعبير الرؤيا ضوابط شرعية مهمة يجب الالتزام بها، ومنها:

1.   ألا يفسرها إلا عالم بالتعبير ممن جمع بين العلم بالكتاب والسنة والفراسة والإيمان.

2.   ألا يفسرها للعامة بغير علم، لأن الخطأ في التعبير قد يسبب ضررًا نفسيًا أو معنويًا لصاحب الرؤيا.

3.   أن يُراعى حال الرائي وزمانه ومكانه، فالرؤيا تختلف دلالتها باختلاف الأشخاص والظروف.

4.   أن يُلتزم الصدق والتقوى، لأن الرؤيا الصالحة جزء من النبوة، ولا يطلع على معانيها إلا من صفا قلبه وصدق ظنه بالله.

  • الرؤيا لا تقع بمجرد التفكير في تأويلها داخل النفس، بل تتحقق إذا عُبّرت بلسان من يحسن التعبير وأصاب المعنى الصحيح.
  • الحديث "الرؤيا لأول عابر" ضعيف، فلا يُستدل به.
  • التعبير الخاطئ لا يجعل الرؤيا تقع، بدليل قول النبي ﷺ لأبي بكر: "أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا".
  • على المسلم أن يتعامل مع الرؤيا بهدوء واتزان، فلا يفرح بها فرحًا مفرطًا، ولا يجزع من رؤيا سيئة، بل يتبع هدي النبي ﷺ فيها.

ينبغي للمؤمن أن يدرك أن الرؤيا الصالحة هبة من الله وليست وسيلة للتنبؤ أو التحكم في المستقبل، وأن يحرص على نقاء قلبه وصفاء سريرته، لأن صدق الرؤيا مرتبط بصدق اللسان والإيمان.

قال ﷺ:

"أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا."
رواه مسلم (4203).

فمن أراد أن تكون رؤياه حقًا، فليصدق في قوله وأفعاله، وليجعل تفسير الرؤى وسيلة للتأمل والإصلاح، لا للتخويف أو الانشغال عن الواجبات الدينية والدنيوية.